فصل: من فوائد الخازن في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون التقدير المعبود ثلاثة، أو الآلهة ثلاثة، أو الأقانيم ثلاثة.
وكيفما تشعب اختلاف عبارات النصارى فإنه يختلف بحسب ذلك التقدير انتهى.
وقال الزجاج: تقديره إلها ثلاثة.
وقال الفراء وأبو عبيد: تقديره ثلاثة كقوله: {سيقولون ثلاثة} وقال أبو علي: التقدير الله ثالث ثلاثة، حذف المبتدأ والمضاف انتهى.
أراد أبو علي موافقة قوله: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} أي أحد آلهة ثلاثة والذي يظهر أن الذي أثبتوه هو ما أثبت في الآية خلافه، والذي أثبت في الآية بطريق الحصر إنما هو وحدانية الله تعالى، وتنزيهه أن يكون له ولد، فيكون التقدير: ولا تقولوا الله ثلاثة.
ويترجح قول أبي علي بموافقته الآية التي ذكرناها، وبقوله تعالى سبحانه: {أن يكون له ولد}، والنصارى وإن اختلفت فرقهم فهم مجمعون على التثليث.
{انتهوا خيرًا لكم} تقدم الكلام في انتصاب خيرًا.
وقال الزمخشري في تقدير مذهب سيبويه في نصبه لما بعثهم على الإيمان يعني في قوله: {فآمنوا خيرًا لكم} وعلى الانتهاء عن التثليث يعني في قوله: {انتهوا خيرًا لكم}، علم أنه يحملهم على أمر فقال: خيرًا لكم أي اقصدوا وأتوا خيرًا لكم مما أنتم فيه من الكفر والتثليث، وهو الإيمان والتوحيد انتهى.
وهو تقدير سيبويه في الآية.
{إنما الله إله واحد} قال ابن عطية: إنما في هذه الآية حاصرة، اقتضى ذلك العقل في المعنى المتكلم فيه، وليست صيغة، إنما تقتضي الحصر، ولكنها تصلح للحصر والمبالغة في الصفة، وإن لم يكن حصر نحو: إنما الشجاع عنترة وغير ذلك انتهى كلامه.
وقد تقدم كلامنا مشبعًا في إنما في قوله: {إنما نحن مصلحون} وكلام ابن عطية فيها هنا أنها لا تقتضي بوضعها الحصر صحيح، وإن كان خلاف ما في أذهان كثير من الناس.
{سبحانه أن يكون له ولد} معناه تنزيهًا له وتعظيمًا من أن يكون له ولد كما تزعم النصارى في أمره، إذ قد نقلوا أبوة الحنان والرأفة إلى أبوة النسل.
وقرأ الحسن: إن يكون له ولد بكسر الهمزة وضم النون من يكون، على أنّ أن نافية أي: ما يكون له ولد فيكون التنزيه عن التثليث، والإخبار بانتفاء الولد، فالكلام جملتان، وفي قراءة الجماعة جملة واحدة.
{له ما في السموات وما في الأرض} إخبار لملكه بجميع من فيهن، فيستغرق ملكه عيسى وغيره.
ومن كان ملكًا لا يكون جزءًا من المالك على أن الجزئية لا تصحّ إلا في الجسم، والله تعالى نزه عن الجسم والعرض.
{وكفى بالله وكيلًا} أي كافيًا في تدبير مخلوقاته وحفظها، فلا حاجة إلى صاحبة ولا ولد ولا معين.
وقيل: معناه كفيلًا لأوليائه.
وقيل: المعنى يكل الخلق إليه أمورهم، فهو الغني عنهم، وهم الفقراء إليه. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله عز وجل: {يا أهل الكتاب} نزلت هذه الآية في النصارى وذلك أن الله تعالى لما أجاب عن شبه اليهود فيما تقدم من الآية اتبع ذلك بإبطال ما تعتقده النصارى وأصناف أربعة: اليعقوبية والملكانية والنسطورية والمرقوسية، فأما اليعقوبية والملكانية فقالوا في عيسى أنه الله وقالت النسطورية إنه ابن الله وقالت المرقوسية ثالث ثلاثة وقيل: إنهم يقولون إن عيسى جوهر واحد ثلاثة أقانيم أقنوم الأب وأقنوم الابن وأقنوم روح القدس وأنهم يريدون بأقنوم الأب الذات وأقنوم الابن عيسى.
وبأقنوم روح القدس الحياة الحالة فيه فتقديره عندهم الإله ثلاثة، وقيل إنهم يقولون في عيسى ناسوتية وألوهية فناسوتيته من قبل الأم وألوهيته من قبل الأب تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا يقال إن الذين أظهر هذا للنصارى رجل من اليهود يقال له بولص تنصر ودس هذا في دين النصارى ليضلهم بذلك.
وستأتي قصته في سورة التوبة إن شاء الله تعالى وقيل يحتمل أن يكون المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى جميعًا.
فإنهم غلوا في أمر عيسى عليه السلام.
فأما اليهود فإنهم بالغوا في التقصير في أمره حتى حطوه عن منزلته حيث جعلوه مولودًا لغير رشده وغلت النصارى في رفع عيسى عن منزلته ومقداره حيث جعلوه إلهًا فقال الله تعالى ردًا عليهم جميعًا: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم} وأصل الغلو مجاوزة الحد وهو في الدين حرام والمعنى لا تفرطوا في أمر عيسى ولا تحطوه عن منزلته ولا ترفعوه فوق قدره ومنزلته {ولا تقولوا على الله إلاّ الحق} يعني لا تقولوا إن له شريكًا وولدًا وقيل معناه لا تصفوه بالحلول والاتحاد في بدن الإنسان ونزهوا الله تعالى عن ذلك، ولما منعهم الله من الغلو في دينهم أرشدهم إلى طريق الحق في أمر عسى عليه السلام فقال تعالى: {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله} يقول إنما المسيح هو عيسى ابن مريم ليس له نسب غير هذا وأنه رسول الله فمن زعم هذا فقد كفر وأشرك {وكلمته} هي قوله تعالى: {كن} فكان بشرًا من غير أب ولا واسطة {ألقاها إلى مريم} يعني أوصلها إلى مريم {وروح منه} يعني أنه كسائر الأرواح التي خلقها الله تعالى وإنما أضافه إلى نفسه على سبيل التشريف والتكريم كما يقال بيت الله وناقة الله.
وهذه نعمة الله يعني أنه تفضل بها وقيل الروح هو الذي نفخ فيه جبريل في جيب درع مريم فحملت بإذن الله.
وإنما أضافه إلى نفسه بقوله منه لأنه وجد بأمر الله قال بعض المفسرين إن الله تعالى لما خلق أرواح البشر جعلها في صلب آدم عليه السلام، وأمسك عنده روح عيسى عليه السلام فلما أراد الله أن يخلقه أرسل بروحه مع جبريل إلى مريم فنفخ في جيب درعها فحملت بعيسى عليه السلام وقيل إن الروح والريح متقاربان في كلام العرب، فالروح عبارة عن نفخ جبريل عليه السلام وقوله منه يعني إن ذلك النفخ كان يأمره وإذنه وقيل أدخل النكرة في قوله وروح على سبيل التعظيم والمعنى روح وأي روح من الأرواح القدسية العالية المطهرة وقوله منه إضافته تلك الروح إلى نفسه لأجل التشريف والتكريم (ق) عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبده ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل».
وقوله تعالى: {فآمنوا بالله ورسله} يعني فصدقوا يا أهل الكتاب بوحدانية الله وأنه لا ولد له وصدقوا رسله فيما جاءكم به من عند الله وصدقوا بأن عيسى عليه السلام من رسل الله فآمنوا به ولا تجعلوه إله وقوله تعالى: {ولا تقولوا ثلاثة} يعني ولا تقولوا الآلهة ثلاثة وذلك أن النصارى يقولون أب وابن وروح القدس وقيل إنهم يقولون إن الله بالجوهر ثلاثة أقانيم وذلك أنهم أثبتوا ذاتًا موصوفة بصفات ثلاثة بدليل أنهم يجوزون على تلك الذات الحلول في عيسى وفي مريم فأثبتوا ذواتًا متعددة ثلاثة وهذا هو محض الكفر.
فلهذا قال الله تعالى: {ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرًا لكم} يعني يكون الانتهاء عن هذا القول خير لكم من القول بالتثليث ثم نزه الله تعالى نفسه عن قول النصارى بالتثليث فقال تعالى: {إنما الله إله واحد} ثم نزه نفسه عن الولد فقال: {سبحانه أن يكون له ولد} يعني لا ينبغي أن يكون له ولد لأن الولد جزء من الأب وتعالى الله عن التجزئة، وعن صفات الحدوث {له ما في السموات وما في الأرض} يعني أنه تعالى له ملك السموات والأرض وما فيهما عبيده وملكه وعيسى ومريم من جملة من فيهما فهما عبيده وملكه فإذا كانا عبدين له فكيف يعقل مع هذا أن له ولدًا أو زوجة تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا؟ وهذا بيان لتنزيهه مما نسب إليه من الولد والمعنى أن جميع ما في السموات والأرض خلقه وملكه فكيف يكون بعض ملكه جزء منه؟ لأن التجزئة إنما تصح في الأجسام والله تعالى منزه عن صفات الأعراض والأجسام {وكفى بالله وكيلًا} يعني أنه تعالى كاف في تدبير خلقه فلا حاجة له إلى غيره، وكل الخلق محتاجون إليه وفقراء إليه وهو غني عنهم. اهـ.

.من فوائد الشوكاني في الآية:

قال رحمه الله:
قوله: {يأَهْلَ الكتاب لاَ تَغْلُواْ في دِينِكُمْ} الغلو: هو التجاوز في الحدّ، ومنه غلا السعر يغلو غلاء، وغلا الرجل في الأمر غلوًا، وغلا بالجارية لحمها وعظمها إذا أسرعت الشباب فجاوزت لداتها.
والمراد بالآية: النهي لهم عن الإفراط تارة والتفريط أخرى، فمن الإفراط غلوّ النصارى في عيسى حتى جعلوه ربا، ومن التفريط غلو اليهود فيه عليه السلام حتى جعلوه لغير رشدة، وما أحسن قول الشاعر:
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد ** كلا طرفي قصد الأمورذميم

{وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق} وهو ما وصف به نفسه ووصفته به رسله، ولا تقولوا الباطل كقول اليهود عزير ابن الله، وقول النصارى المسيح ابن الله {إِنَّمَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولُ الله} المسيح مبتدأ، وعيسى بدل منه، وابن مريم صفة لعيسى، ورسول الله الخبر، ويجوز أن يكون عيسى ابن مريم عطف بيان، والجملة تعليل للنهي، وقد تقدّم الكلام على المسيح في آل عمران.
قوله: {وَكَلِمَتُهُ} عطف على رسول الله، و{ألقاها إلى مَرْيَمَ} حال، أي: كوّنه بقوله كن، فكان بشرا من غير أب، وقيل: {كلمته} بشارة الله مريم ورسالته إليها على لسان جبريل بقوله: {إِذْ قَالَتِ الملئكة يامريم مَرْيَمَ إِنَّ الله يُبَشّرُكِ بِكَلِمَةٍ مّنْهُ} [آل عمران: 45] وقيل: الكلمة هاهنا بمعنى: الآية، ومنه: {وَصَدَّقَتْ بكلمات رَبَّهَا} [التحريم: 12]، وقوله: {مَّا نَفِدَتْ كلمات الله} [لقمان: 27].
قوله: {وَرُوحٌ مّنْهُ} أي: أرسل جبريل فنفخ في درع مريم فحملت بإذن الله، وهذه الإضافة للتفضيل، وإن كان جميع الأرواح من خلقه تعالى.
وقيل قد يسمى من تظهر منه الأشياء العجيبة روحًا ويضاف إلى الله، فيقال هذا روح من الله، أي: من خلقه، كما يقال في النعمة إنها من الله وقيل: {رُوحُ مِنْهُ} أي من خلقه كما قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا في * السموات وَمَا فِي الأرض جَمِيعًا مّنْهُ} [الجاثية: 13]: أي: من خلقه، وقيل: {رُوحُ مِنْهُ} أي: رحمة منه، وقيل: {رُوحُ مِنْهُ} أي: برهان منه، وكان عيسى برهانًا وحجة على قومه.
وقوله: {مِنْهُ} متعلق بمحذوف وقع صفة لروح، أي: كائنة منه وجعلت الروح منه سبحانه، وإن كانت بنفخ جبريل لكونه تعالى الآمر لجبريل بالنفخ: {فآمنوا بالله ورسله} أي: بأنه سبحانه إله واحد {لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد} [الإخلاص: 2- 4]، وبأن رسله صادقون مبلغون عن الله ما أمرهم بتبليغه، ولا تكذبوهم، ولا تغلوا فيهم، فتجعلوا بعضهم آلهة.
قوله: {وَلاَ تَقُولُواْ ثلاثة} ارتفاع ثلاثة على أنه خبر مبتدأ محذوف قال الزجاج: أي: لا تقولوا آلهتنا ثلاثة، وقال الفراء، وأبو عبيد: أي: لا تقولوا هم ثلاثة كقوله: {سَيَقُولُونَ ثلاثة} [الكهف: 22] وقال أبو علي الفارسي: لا تقولوا هو ثالث ثلاثة، فحذف المبتدأ والمضاف، والنصارى مع تفريق مذاهبهم متفقون على التثليث، ويعنون بالثلاثة: الثلاثة الأقانيم، فيجعلونه سبحانه جوهرًا واحدًا، وله ثلاثة أقانيم، ويعنون بالأقانيم أقنوم الوجود، وأقنوم الحياة، وأقنوم العلم، وربما يعبرون عن الأقانيم بالأب والابن وروح القدس، فيعنون بالأب: الوجود، وبالروح: الحياة، وبالابن: المسيح.
وقيل: المراد بالآلهة الثلاثة: الله سبحانه وتعالى، ومريم، والمسيح.
وقد اختبط النصارى في هذا اختباطًا طويلًا.
ووقفنا في الأناجيل الأربعة التي يطل عليها عندهم اسم الإنجيل على اختلاف كثير في عيسى: فتارة يوصف بأنه ابن الإنسان، وتارة يوصف بأنه ابن الله، وتارة يوصف بأنه ابن الربّ، وهذا تناقض ظاهر وتلاعب بالدين.
والحق ما أخبرنا الله به في القرآن، وما خالفه في التوراة، أو الإنجيل، أو الزبور، فهو من تحريف المحرّفين، وتلاعب المتلاعبين.